تصنيف للكتب لا يعترف به أمناء المكتبات 🙅🏼

من المهم إعادة تعريف علاقة المرء بالكتب من أجل قراءة تحقق الغرض الأساسي منها، وهو المتعة.

تحصيل المعرفة من الكتب الورقية والإلكترونية / Getty Images
تحصيل المعرفة من الكتب الورقية والإلكترونية / Getty Images

تصنيف للكتب لا يعترف به أمناء المكتبات

راضي النماصي

(تحذير: لا يستهدف هذا المقال لمن يقرأ للتحصيل العلمي من أجل شهادة ما، ولا «شداة الأدب»، ولا قرّاء السبعة كتب في سبع ثوان، بل من يقرؤون للمتعة ويعلمون أن الحياة موجودة في آن.) 

بحسبة رياضية بسيطة وجائرة وتغفل كل تعقيدات الحياة في آن واحد، يمكن القول إن الشخص منذ البلوغ قانونيًا في الثامنة عشرة حتى سن التقاعد في الستين يحظى بأكثر من 2000 أسبوع، وهذا يعني 2000 كتاب لشخص يحب القراءة فعلًا بلا ادعاء -وقليلٌ ما هم-. وإذا سلّمنا بصدق عنوان «1001 كتاب للقراءة قبل الموت»، وهذا يعني وجود «ما تجب قراءته»، فأمام المرء 999 كتابًا للاستكشاف، فأين هي مما أراه على رفوف مَن حولي ومما أصدم برؤيته كل مرة في بيتنا خلال إجازتي؟

تحاول هذه التدوينة تقديم أنواع لا يعترف بها أمناء المكتبات أو باعتها، إذ لا تخضع لترتيب كرونولوجي أو جغرافي أو حسب النوع الأدبي، وإنما حسب «الحالة» وما يحدث من حولها من تصاريف الحياة.

النوع الأول: ما نسمع عنه ولا يدوم

لا أنسى ثلاث حالات حمّى قرائية من العديد الذي مرّ على الوسط الثقافي العربي، حيث تهافتت الأغلبية الساحقة على نيل الكتاب المشهور أو على كتب تتناول المفهوم الشهير، مثل «قواعد العشق الأربعون» أو «الحداثة السائلة» أو «الهشاشة النفسية» أو «الأسود يليق بك». الطريف أن هذه الحمى لا تدوم في كل الحالات، وسرعان ما ينقضي الضجيج حولها؛ لأن أساسها فضول لا رغبة في التذوق الأدبي أو حيازة المعرفة الرصينة. 

النوع الثاني: «كتب ممتدّة» أو ما لا مشكلة في إنهائه متأخرًا

يقول محمد آيت حنا: «لا تقرأ المجموعة القصصية دفعة واحدة؛ القصص بنات أكابر، أرجوك لا تُردفها واحدة تلو الأخرى؛ على الأقل، ولو على سبيل الإيهام، كلما أنهيتَ قصّةً أغلق الكتابَ ثمّ افتحه قبل قراءة قصّة غيرها»، وأقول شخصيًا إن معاملة مجموعات القصص أو القصائد أو المقالات بهذه الطريقة ضرب من الجور، فهي لم تُجمع كي تُقرأ دفعة واحدة؛ إذ إنها غالبًا لم تُكتب في وقت واحد، ولا تشكل وحدةً في توالي الأحداث بحيث يسبب تغيير ترتيبها مشكلة في التلقي[1]. أتِح حظًا لنفسك للإلهام من قصيدة أو قصة بديعة كل يوم، وما المانع؟  

النوع الثالث: «كتب للمستقبل» أو متلازمة الأعمال الكاملة

حلّت بي أول نوبة من هذه المتلازمة للأسف مبكرًا، وذلك عام 2016 عبر اقتناء أعمال دوستويفسكي الكاملة بترجمة سامي الدروبي، وقد صدرت وقتها بطبعة مصرية خضراء الغلاف. لا أنسى فرحتي بها، ولا أنسى أني لم أبرح الأعمال الكبرى للأسف، التي سبق أن اقتنيتها قبل ذلك مفردة، ولم آت تلك المجموعة حتى كتابتي هذا المقال. وكذلك الحال لتولستوي ونجيب محفوظ، علاوة على أعمال فكرية وشرعية كثيرة تتسم بالأهمية والحجم في آن. فهل يُعقل وجود مكتبة شخصية لـ«قارئ جاد»، أو هكذا يظن، بلا «فتح الباري» أو «البيان والتبيين» أو «الجريمة والعقاب»؟! لأجل ذلك عقدت العزم مع أحد الأصدقاء منذ أربعة أعوام على قراءة عمل ضخم مكرَّس في شهر رمضان بجانب تفسير جديد والختمتين، والأمر يفلح حتى الآن؛ إذ قرأت ما يلي بالترتيب وبمزاج عال ومتعة بالغة: «موبي ديك» و«دون كيخوته» و«الحرب والسلم» و«مغامرات أوقي مارش»؛ فكل ما في الشهر الكريم يسكن، وهذا يعين على التقاط الأنفاس ذهنيًا.

النوع الرابع: «كتب الكتّاب»

ولا أعني توصية من صديق أو ترشيحًا عابرًا في مكان ما، بل ما قد يقذفه كاتب في حضنك خلال لقاء عابر؛ لأنك صديق أحد أصدقائه ولم تغد محظوظًا بعد بقراءة قلمه الرشيق، أو رسالة من أحدهم إلى هاتفك الشخصي يعلن فيها عن كتاب له وتعلم أنه سيسألك خلال 48 ساعة عمّا إذا اقتنيته أم ليس بعد، فإن جاوبته بـ«نعم» أقسم خمس مرّات عليك أن تُرجعه، على علمه سلفًا بأنك تعلم أنه يعلم أنك لن تعيده، وإن جاوبته بـ«لا» أملى خمس مرات عليك في يومين أن تتأكد من «أماكن وجوده»، وأنت وهو والقطة في الشارع ومحمد عبده تعلمون جميعًا أن أماكن توزيع الكتب في الخليج ليست بتلك الكثرة، علاوة على الرسالة الخفية من ذلك الطلب. ثم لا تنقضي 48 ساعة أخرى إلا ويسألك عن رأيك في «رسالة غفران» زمانه دون رحمة، طالبًا الرأي الصادق؛ لأنه لا يرضى بالمجاملة، وأنت وهو والقطة في الشارع ومحمد عبده تعلمون جميعًا أن الأوان قد فات والكتاب قد صدر ولن تنفع أي «نصيحة». كما أن الوضع أدهى وأمرّ إن كان لديه حساب في «قودريدز»، وهكذا حتى تقع في مأزق نفسي بين مجاملته صادقًا أو شهادة زور قبيحة. من الجدير بالذكر أن أحد الأصدقاء تملّص من هذه المعضلة ببراعة عبر ثنائه على الكتاب مبتدئًا بعبارة «كتاب الصديق…» ثم يقول ما يشاء، وللناس حق عدّه مجامِلًا أو صادقًا. 

النوع الخامس: «الملذات الخفيّة» أو ما لن نُخبر به أحدًا

لا تحظى بعض الكتب على ما يبدو بنظرة الإجلال للكتب الكلاسيكية أو المكرسة، فتجد كتب المذكرات أو الروايات البوليسية في «رتبة أدنى»، لكنها على المستوى الجماهيري أشد رواجًا، وهذا ما يخلق المفارقة لدى السواد الأعظم الذي لا يقرأ لدوستويفسكي، ويراهم يقولون عن أقاثا كريستي التي يقرأ لها إنها من «قراءات الماضي» أو -وهذه أشد لؤمًا- «عتبات القراءة»، على حين لا يفصح رواج النوعين المذكورين عالميًا إلا بأنهما الأشد قراءة. علاوة على أن بعض الكتّاب يقع خبيئة سر القارئ وذوقه الشخصي دون أن يُفصح عن تفضيله، ولكل قارئ كتّابه المفضلون الذين لن يفصح عنهم من باب الأثَرة أو الادّعاء، وهذه الفئة تستحق حديثًا خاصًا عنها في مقالة أخرى.

النوع السادس: ما نقرؤه

كتب نشتريها لأننا نرغب في شرائها، ونقرؤها لأننا نرغب قراءتها، غارقين في متعة لا يُحرم منها إلا بائس، عبر ترشيح صديق أو متابعة جديد كاتب مفضّل، أو اكتشاف يكرمك به الحظ، أو إتمامًا لمشروع كاتب لا ترى قبله أو بعده أحدًا. قراءة يأخذ بيدها الحب وترشدها الدهشة النقية الشخصية الخالصة.

ينفي خورخي لويس بورخيس وجود قراءة واجبة، إذ يرى تعارضًا يصل إلى حد التناقض بين اللفظتين، ويرى ألبرتو مانقويل أن لكل أوان كتابه المميز، ويفضل هنري ملر أن يقاد شخص ما إلى الجريمة على أن يجده يكبر كخزانة كتب أكثر فأكثر. وفي ظل حركة الحياة التي لا تهدأ، وحقوق من حولنا علينا، من المهم إعادة تعريف علاقة المرء بالكتب من أجل قراءة تحقق الغرض الأساسي منها، وهو المتعة، لئلّا يقسو على ذاته؛ فالمعرفة المحضة على الإنترنت موجودة وتكفيها ضغطة زر، وللحفظ وسائله بدءًا من الورق حتى الرقاقات، والحياة بما فيها لئيمة بما يكفي، فلماذا نزيد لؤمها بأيدينا؟


  1. أطلقت هيئة الأدب والنشر والترجمة بالتعاون مع شركة «مانقا العربية» مشروع تحويل الأدب السعودي إلى قصص مصورة. وكخطوة أولى للمشروع أعلنت «مانقا العربية» إطلاق الفصل الأول من قصة «رسم العدم»، المستلهمة من الرواية التي تحمل العنوان نفسه للكاتب أشرف فقيه.

  2. أعلنت الشيخة بدور القاسمي القائمة القصيرة لجوائز «ببلش هير» للتميّز، وتحتفي الجائزة بالنساء المتميزات اللاتي أحدثن فرقًا واضحًا في صناعة النشر. وسيُعلن عن الفائزات في معرض بولونيا لكتب الأطفال في أبريل.

  3. صدرت حديثًا عن دار الآداب رواية «قريبًا من القلب المتوحّش» للكاتبة البرازيلية كلاريس ليسبكتور. تحاول الرواية فهم القلب المتوحّش الذي ينبض داخل كل إنسان. 

  4. تصدر قريبًا عن دار مسكيلياني للنشر رواية «آلموت: قلعة الحشّاشين» للروائي السلوفيني فلاديمير بارتول. والرواية من ترجمة الشاعر والباحث التونسي أشرف القرقني.


توصيات النشرة من شهد المطرفي:

  1. أزرق، روسا ريقاس

الكتاب الورقي / قودريدز

عندما نشرت روسَا ريقـَاس روايتها «أزرق» حصلت على أهم جائزة في إسبانيا (نادال)، وهي جائزة أطلقتها مجلة «دستيونو» في برشلونة عام 1944، تكريمًا لذكرى رئيس تحريرها السابق يوجينيو نادال قايا. يمتد على صفحات هذه الرواية حب أزرق عاصف بين مارتين المخرج السينمائي الشاب وأندريا الصحافيّة المتزوجة التي تكبره أعوامًا وتهجر زوجها الثري وأطفالها في سبيل الحب البحري الذي أحاطها بمده وجزره. في الرواية ننتقل عبر التفاصيل الدقيقة للحياة اليومية التي تبدو للوهلة الأولى هامشية لا تستحق التوقف عندها، ولكن استطاعت روسَا ريقـَاس باحتراف روائي متين أن تكتب ألق هذا الحب، لنغوص فيه غير واعين.

  1. الضمير، بول ستروم

الكتاب الورقي / قودريدز

«ربما كان الضمير دائماً في أزمة، وسبب الأزمة قبل كل شيء هو الوسط الذي يعيش فيه ويُستدعى فيه، فيَصل أو يخفق في الوصول.»

الكتاب مقدمة قصيرة، وهو من سلسلة مقدمات قصيرة في مواضيع فلسفية شتى تقدمها مؤسسة هنداوي، يطرح فيه بول ستروم جذور الضمير مرورًا بالتاريخ، ونستكشف معه ماذا عنى الضمير للأجيال المتعاقبة. ويلقي الضوء على من استحقّ هذا المفهوم وتباهى به بوصفه «أحد الإسهامات الغربية الباعثة على الفخر في مجال حقوق الإنسان وكرامته في كل مكان في العالم». ثم يعود لتفنيد هذا الاستحقاق من طريق آخر فصل، وهو الذي أرفقت منه لكم الاقتباس أعلاه، وهو الضمير في سجن «أبو غريب». 

  1. كيف تصنع يدًا؟ عبدالواحد الأنصاري

الكتاب الورقي / قودريدز

أول رواية قرأتُها عندما بدأت القراءة ثم عدت إليها بعدما فهمتها، رواية شكّلت رمزية التعبير وليست حكاية يبحث عنها القارئ من فوره فيجدها. الرواية مقسمة إلى ثلاثة أقسام «أ، ب، ج»، ويخبرك الكاتب بأنك إذا قرأت القسم «ب» فيمكنك أن تقول إنك قد قرأت الرواية كلها، على الرغم من أن عدد صفحات القسم «ب» أقل من عدد صفحات القسم «أ»؛ فلماذا ستقرؤه؟ ومن هو حسين الذي فقد يده اليمنى؟

  1. السماء ليست في كل مكان، محمد خضر

الكتاب الورقي / الكتاب الإلكتروني / قودريدز

رواية تأخذك إلى السراب، حيث ما الذاكرة إلا حقيقة نسبية لن تجزم بثباتها. «إربة» مدينة تتوالى عليها السنين مغيرةً كل شيء حولها إلا هي، لا يهجرها سكانها ولا تهجرهم، يلتقي بطلا الرواية «أبو عديس» الهارب من الثأر و«زيانة» المطلوبة للعار في «إربة»، لتتجلى أسئلة الإنسان المعدم بالفقر والجهل وما يجلبه الحظ والقدر في عالم متغير وسريع ومتجدد يغير كل ما دونه إلا «إربة» العصية على التغيير، لتظهر الأقدار التي لم تكن في حسبان «أبو عديس» وهو يفر هارباً إلى «إربة» ظنًا منه أنها الضالة التي ينشدها.

نشرة إلخنشرة إلخلغير المثقفين، الذين لا يربطون بين القراءة واحتساء القهوة، ولا يصوّرون أعمدة كتب تتجاوز أطوالهم نهاية العام. نشرة تصلك كلّ أربعاء تضم مراجعات للكتب، توصيات، اقتباسات… إلخ.