ما الذي تخفيه الجوائز الأدبية

تظل لـ«غونكور» جاذبيتها التي لا تخفَى ولا تُقاوَم. فهي تكاد تكون البصمة الأكيدة على مرور الكاتب «الفرنسي» من منطقة الظلِّ إلى وهج الأضواء.

كتاب رومان قاري الحائز على جائزة «غونكور» / Getty Images
كتاب رومان قاري الحائز على جائزة «غونكور» / Getty Images

ما الذي تخفيه الجوائز الأدبية

محمد آيت حنا

لم تكفّ جائزة «غونكور» منذ إحداثها سنة 1903، إنفاذًا لوصيَّة إدمون دو غونكور، عن إثارة الجدل. نُسجت حولها كثير من الطرائف والمُلَح التي تكفي لملء مجلداتٍ، من رومان قاري الذي فاز بالجائزة مرتين، على رغم أنَّ لوائحها تنصُّ على أن الكاتب لا يمكن أن يفوز بها سوى مرة واحدة، (شارك رومان قاري في المرة الثانية باسم مستعار هو إميل أجار، وطلب من ابن أخيه أن يمثِّل دور إميل أجار أمام الصحافة!)، إلى جوليان قراك الذي اعتذر عن قبول الجائزة بعد أن فاز بها، مرورًا بالصحافيّ الذي اختبأ في خزانةٍ بقاعة اجتماع اللجنة، واسترق السمع إلى المداولات، ونشر النتائج والتقارير بالتفصيل قبل الإعلان عنها.

حكايات وحكايات…

ومع ذلك تظل لـ«غونكور» جاذبيتها التي لا تخفَى ولا تُقاوَم. فهي تكاد تكون البصمة الأكيدة على مرور الكاتب «الفرنسي» من منطقة الظلِّ إلى وهج الأضواء، بخاصةً أنَّ قيمتها الأدبية ثابتة، ما دامت جائزتها المالية مهمَلة (لا تتجاوز عشرة يوروهات)، وإفادةُ دور النشر منها أكيدةٌ. إذ يبيع الكتاب الذي يفوز بها عشرات الآلاف من النسخ، وأحيانًا مئات الآلاف.  

غير أنَّ خلف هذه الشجرة البراقة تختفي غابة! غابة من الصراعات الثقافية والأيديولوجية التي كثيرًا ما تنتهي بفضائح، ليس أقلَّها حرمان واحدة من أعظم روايات القرن العشرين «رحلة إلى أقاصي الليل» من الجائزة، لمسوّغات «ذوقية» لا يخفى على أحدٍ ما يتوارى خلفَها من دوافع أيديولوجية ضد مؤلفها سيلين.

على أنَّ أهم غابةٍ تخفيها الشجرة هي غابة الجوائز الكثيرة التي تمرُّ في فرنسا من غير أن تنال الاهتمام، ولا يتهافت عليها ناشِرونا، على رغم أنَّها لا تقلُّ أهمية أدبيًا وفنيًّا عن «غونكور». ولعلَّ أهم هذه الجوائز جائزة «رُنودو» التي حصلت عليها رواية سيلين المذكورة بعد أن حُرمَت جائزةَ «غونكور»! 

كذلك جائزةٌ أخرى نشأت في علاقة مباشرة مع «غونكور»، بل ضدَّها، وهي جائزة «فيمينا» التي أنشأتها اثنتان وعشرون امرأة عام 1904، ضد «ميزوجينية» (النزعة العدائية ضد المرأة) في «غونكور»، بخاصةً أنَّ الفائز بالجائزة في تلك السنة كان ليون فرابيي، على رغم أن معظم الترشيحات كانت تتجه إلى أن الجائزة ستكون من نصيب مريم هاري. لذا ارتأت جماعةٌ من النساء المهتمات بالأدب إنشاء جائزة مضادة، جائزة يكون جميع أعضاء تحكيمها نساء، لكن من غير أن تسقط في «الميزوجينية» التي تأسَّست ضدًا عليها. لذلك ليس شرطًا أن يكون الفائز بالجائزة امرأة، بل هي جائزةٌ للجميع، لكنها جائزةٌ بعيون النساء، جائزة هدفها الأساسي التصدي لـ«ميزوجينية» تتجاوز الوعي إلى اللاوعي.

ضدًا كذلك على تهمة أخرى التصقت بـ«غونكور»، تهمة تكريس المُكرَّس، أُنشئت جائزة أخرى تحمل اسم إحدى أعرق الأسر في أوربا، آل ميديتشي، صنّاع النهضة الأوربية. وتسعى جائزة «ميديسيس» إلى تتويج كتّاب يتحلون بالطموح الأدبي، كتّاب يقدمون أعمالًا طليعية تستحق أن تحمل خاتَم أسرة لم يُعرَف لطموحِها حدٌّ. وربما تكمن قيمة هذه الجائزة أساسًا في كونها غير مقصورة على تتويج الروايات.

على أن أهمَّ ما تخفيه شجرة «غونكور» قد يكون – ويا للمفارقة! – غابة «غونكور» نفسها! غابةٌ هي تشكيلة من الجوائز التي تحمل الاسمَ نفسَه، غير أنَّها لا تتوِّج الأعمال الروائية، بل أجناسًا أخرى من الكتابة. «غونكور» للشعر، وأخرى للقصة، وثالثة للسيرة، ورابعة للرواية الأولى، تُقدَّم كل سنة للأعمال المتفوقة ضمن جنسها، لكنها تتوارى جميعًا خلف بريق «غونكور» الرواية، ولا يكاد يلتفتُ إليها الناشرون، مع أنَّ ترجمتها إلى اللغة العربية قد تكون عظيمة الفوائد على الكتابة القصصية والشعرية والنقدية.

حكايات وطرائف وجدال لا ينتهي، ذلك هو القدَر اللَّصيق بجائزةٍ قُيِّض لها أن تبصر النور ضمن سياقٍ ينفلت من كل محاولةٍ للتأطير العقلاني أو المنطقي. ألم تكن أولُ روايةٍ تحصل على «غونكور» روايةً عن الجنون، روايةَ رجلٍ يستيقظ فيجد نفسَه في مصحةٍ للأمراض العقلية؟!


  1. فاز الكاتب البلغاري قيورقي قوسبودينوف والمترجمة الأمريكية أنجيلا رودل بجائزة «بوكر» العالمية 2023 عن رواية «ملجأ الزمن» ليصبح أول فائز بلغاري في تاريخ هذه الجائزة. وقد وصفت ليلى سليماني رئيسة لجنة التحكيم الرواية بأنها «رواية رائعة مليئة بالسخرية والحزن»، مضيفة: «إنه عمل عميق جدًا يتعامل مع سؤال معاصر وأيضًا فلسفي: ماذا يحدث لنا عندما تختفي ذكرياتنا؟». تبلغ قيمة الجائزة 50 ألف دولار تُقسَم بين الكاتب والمترجم.

  2. توفي في العشرين من مايو الكاتب البريطاني مارت أميس عن عمر ناهز الثالثة والسبعين  من جراء إصابته بمرض سرطان المريء. ويعد من أهم الأصوات الأدبية إلى جانب جوليان بارنز وإيان مكواين وغيرهما ممّن شكلت كتاباتهم المشهد الأدبي البريطاني في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي. وعُدت روايته «المال» ضمن أفضل مئة رواية كتبت بالإنقليزية.

  3. تصدر الأسبوع المقبل في إسبانيا والولايات المتحدة الأمريكية الرواية الجديدة للكاتبة التشيلية إيزابيل الليندي بعنوان «تعرف الريح اسمي». وتتناول  حياة طفلين خلال الحرب، أحدهما في فيينا بداية الحرب العالمية الثانية والأخرى في الولايات المتحدة عام 2019. وفيها تعبر  الليندي عن تضحيات الآباء والأمهات من أجل أبنائهم، وتكتب رسالة حب للطفولة التي تنجو في أسوأ الظروف ولا تتوقف أبدًا عن الحلم.

  4. أصدر هذا الشهر الممثل الأمريكي توماس هانكس روايته الأولى بعنوان «The Making of Another Major Motion Picture Masterpiece». وتدور أحداثها حول تصوير فِلم «أكشن» بأبطال خارقين كُلْفتُه ملايين الدولارات، وحول الكتب المصورة التي ألهمته. رواية مضحكة ومؤثرة تلتقط  التغييرات في أمريكا والثقافة الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية. ‏يذكر أن هذه ليست المحاولة الأدبية الأولى لتوم هانكس، إذ سبق أن أصدر مجموعة قصصية بعنوان «نمط غير شائع».


  1. قوة معادية،جون أنطوان نو
    اختيرت هذه الرواية للظفر بجائزة «غونكور» في دورتها الأولى الموجهة إلى الرواية. يتحدّث العمل عن الجنون والبحر، كما يدعي جون أنطوان نو في «ميتا السرد» أن العمل من إنجاز مريض نفسيّ تمكّن من زيارته عدة مرات، وهو من وكل إليه قبل موته نشره بعد مراجعته.

  2. دماغ مشتعل: شهر من الجنون، سوزانا كهالان

    تتحدث الصحافية والكاتبة الأمريكية سوزانا كهالان عن صراعها ضد مرض مناعي نادر أصاب دماغها، وتسرد لنا تفاصيل رحلتها لمعرفة تشخيص المرض وتعثرها بين مراكب التعب والعافية والتقبل الاجتماعي.

  3. ظلام مرئي: مذكرات الجنون، وليام ستايرون

    يكشف لنا الكاتب الأمريكي وليام ستايرون من خلال مذكراته الوجه الآخر من الاكتئاب وما يخلفه من اليأس والعجز وكل شعور يدفع به دفعًا نحو الانتحار.

  4. المتخفي: الحيوات السرية للدماغ، ديفيد إيقلمان

    يستخلص ديفيد إيقلمان في هذا الكتاب، من خلال استعراض الأبحاث العلمية لدماغ الإنسان، نتيجة خطيرة هي أن قراراتنا ليست بالضرورة ناتجة من وعي وشعور، بل من اللاوعي واللاشعور الذي يتشكل في أدمغتنا بطريقة لا ندركها، ويحاول في هذا الكتاب أن يدرس «الحيوات» السرية لهذا الدماغ وكيف تؤثر في قراراتنا وتصرفاتنا وإرادتنا.

الثقافةالكتب
نشرة إلخنشرة إلخلغير المثقفين، الذين لا يربطون بين القراءة واحتساء القهوة، ولا يصوّرون أعمدة كتب تتجاوز أطوالهم نهاية العام. نشرة تصلك كلّ أربعاء تضم مراجعات للكتب، توصيات، اقتباسات… إلخ.