ڤوي: كوميديا مصرية فاخرة تكسر موجة الرداءة

تميَّز الفلم بمواقف درامية ممزوجة بالكوميديا، مع تجسيد شخصية البطل لجانب الشر على نحو يجعلك تقف في صفه وليس ضده.

الملصق الدعائي لفلم «ڤوي! ڤوي! ڤوي!»/ Voy! Voy! Voy!
الملصق الدعائي لفلم «ڤوي! ڤوي! ڤوي!»/ Voy! Voy! Voy!

ڤوي: كوميديا مصرية فاخرة تكسر موجة الرداءة

رياض القدهي

منذ لحظة سماع راوي القصة بداية الفلم وهو يسرد، جاء ببالي أغنية «الرجل الذي باع العالم» «The man who sold the world». فأنت ستشهد خلال الفلم منظور شخصية تبدأ فصلًا في قصة حياتها تحت عنوان «البداية في الشر المطلق»، وهو مصطلح متعارف عليه في الإنقليزية بالـ«villain arc».

تجد هذا المصطلح متداولًا بين الناس في منصات التواصل الاجتماعي وتحديدًا تك توك، والمقصود به عندما يبدأ الشخص التحول من شخصية كانت تميل إلى الخير والحب والسلام متجهًا إلى العنف والكراهية؛ لأنه اكتشف أن ذلك يؤدي إلى نتائج أفضل. 

قبل رحلة الكذب، تدرَّب و«خلِّك كذاب صح»! 

بطلنا «حسن»، من تمثيل محمد فراج، رجل يعيش في ظروف قاسية وفقيرة للغاية، ويعمل كرجل أمن. ونبدأ نرى جزءًا من الكوميديا السوداء في مشهد افتتاحية الفلم الجريء، حيث يكون في الفراش مع امرأة كبيرة بالسن غير عربية، ويحاول خداعها لتقع في حبه، منتظرًا موتها في وقت قريب ليصبح غنيًا بإرثها. لذلك نرى من البداية أنَّ حسن «شخصية كذابة»، وما يجعل كذبها يبدو واقعيًّا للآخرين هو النص المكتوب والذي يصاحبه أداء تمثيلي ممتاز جدًا. 

لكنك تستطيع قراءة أفكار الشخصية أكثر عبر حواراته مع أصدقائه. صديقه «سعيد»، من تمثيل طه دسوقي، يعمل مندوب توصيل لدى أحد مطاعم اللحوم والكباب باستخدام الدراجة الهوائية. وأحد التوظيفات «العبقرية» في الكتابة كان استخدام عنصر الدراجة الهوائية وصاحب المطعم لاحقًا في الفلم لحل أهم عوائق القصة. 

هنا لا بد أن أتوقف وأقول إنَّ أحد جوانب العبقريَّة في كتابة النص اهتمامه بالشخصيات الجانبية. فمع «سعيد» يوضح النص ألم المشاعر والصدمة في موقف مدته لا تقل عن دقيقة، حيث جعلنا نتعاطف مع الشخصية التي أدَّاها طه في أداء تمثيلي فاخر على رغم أنها شخصية جانبية. ولا أنسى الشخصية الكوميدية «عمرو»، من تمثيل أمجد الحجار، الذي يجسد الكوميديا من خلال صناعة المواقف الهزلية المضحكة، وفي كل مرة يظهر فيها على الشاشة فاعلم أنك مُقبل على حوار مضحك. وذكرتني شخصية «عمرو» كثيرًا بشخصية «معن» في الفلم السعودي «شمس المعارف» من تمثيل إسماعيل الحسن.

مثلما ذكرت فإن شخصية بطلنا «حسن» تظهر في مشاهد توضح مدى قوة كتابة الشخصية، ومن ذلك المشهد الذي ظهرت فيه عربة «الكشري» عندما كان «سعيد» يحاول أن يرى الجانب الإيجابي بعبارة «الحمد لله بأن لدينا بيت أو سقف يغطينا». أما بطلنا فكانت لديه نظرة عكسية تمامًا ومقنعة، وربط التشبيه بالحيوانات، فكانت لحظة مضحكة وحزينة في الوقت نفسه بعبارة مُشابهة لهذه الجملة: «ماهي الحيوانات نفسها نفسك، إيه الفرق يعني». ومن هنا بدأت أشعر بأني مُقبل على شخصية جذابة تكشف جانبها غير الإنساني. 

نبتعد عن بطلنا قليلًا ونتوجه إلى الأطراف الاخرى مثل شخصية «كابتن عادل» من تمثيل بيومي فؤاد. وأعلم أن الممثل لديه عدد هائل من الأفلام التي شارك بها، لكن ذلك لم يمنع أن شخصيته وأداءه كانا جذابين، مع جانب محزن وسوداوي رائع في دوره. 

ثم ننتقل إلى الصحافية «أنجي» من تمثيل نيللي كريم، وهي الطرف الثالث، وتعد محركة للبطل وليس للقصة بكاملها، مما جعل ظهورها خفيفًا وليس له وزن ثقيل، وتركني أتساءل منذ بداية الفلم كيف سيتم ربط ثلاثة أطراف بحيث يلتقون في نقطة مشتركة في القصة؟ ثم أُعجبت بكيفية ربطهم سويًا في الحدث الأساسي. 

المعنى خلف «ڤوي ڤوي ڤوي» 

يرتبط الحدث الأساسي بفريق كرة قدم ذوي احتياجات خاصة، وهم مكفوفون، لذلك نجد «كابتن عادل» يتوجه إلى تدريب الفريق لأن لديهم فرصة للوصول إلى العالمية، مما يجعل الصحافية تتجه إلى تغطية الحدث. ويرى بطلنا أنها فرصة جيدة للهرب من مصر والعيش بالخارج، وتبدأ محاولاته اقتباس شخصية الأعمى، ويواجه العديد من العوائق المضحكة والصعبة التي لا أود «حرقها».

لكن ما يميز الأحداث أنها فعلًا مليئة بالتحديات ولحظات «تشد الأعصاب»، وخير مثال أول مشهد في المطار لدى الجوازات عند التأكد من هوية بطلنا «حسن»، والكثير من اللحظات التي تعد مفاجأة داخل مفاجأة، وهذا ما يميز الفلم الذي يحتوي على عناصر تفاجئك وتجعل القصة تستمر مثيرة وتجذب انتباهك إلى النهاية. 

ومن المعلومات التي جذبتني أن عبارة «ڤوي ڤوي ڤوي» تعني بالأسبانية «أنا قادم»، وتستخدم لدى لاعبي هذه الرياضة أو كما تسمى «كرة الجرس»، حيث يحاول اللاعب قطع هجمة لاعب آخر؛ فيقولها للابتعاد عن الاصطدام بلاعب، سواء أكان معه في الفريق أو ضده. 

تنفَّس الصعداء وصولًا للنهاية 

مع كثرة المفاجآت زادت سعادتي بالعمل، لكن رحلة النهاية عابتها بعض العناصر. الأول من الناحية الإخراجية، إذ كانت هنالك لقطة بين «كابتن عادل» و«حسن» وهما يتحدثان عن سر مهم وشخصية الصحفية «أنجي» القريبة منهما لا تسمع، فكانت أشبه باللقطة التي تخرجك من جو الفلم. العلاقة الرومنسية التي تكونت بين «حسن» و«أنجي» كانت في الحقيقة شيئًا لا يُذكر بل ينسى مع الوقت، وكانت من نوع الدراما الرخيصة. 

العيب الأهم لديّ أني تمنيت تخصيص وقت أطول على الشاشة لشخصية «أم حسن»، خصوصًا عندما أتساءل: كيف كانت بيئة عملها؟ ولو استعرض الفلم الموقف الذي حصل لها بالعمل وجعلها تبكي كان سيؤدي دورًا مهمًا. 

فلم «ڤوي ڤوي ڤوي» جريء جدًا في استعراض كوميديا سوداء بكتابة فاخرة، مع بعض العناصر المهمة المفقودة، مثل افتقادنا استعراضًا أطول لشخصية «أم حسن» في بيئة عملها، وضعف علاقة الصحافية «أنجي» مع «حسن». Click To Tweet

ولكن هذه مآخذ لا تؤثر على الصورة الكاملة. 

فقد تميَّز الفلم بمواقف درامية ممزوجة بالكوميديا، مع تجسيد شخصية البطل لجانب الشر على نحو يجعلك تقف في صفه وليس ضده، والسبب هو نظرته إلى الحياة بواقعية، أو مثلما يقولون «الواقع المرير»؛ وكان ذلك كافيًا لتؤيد الشخصية وتفهم مشاعرها. يُذكر أن الفلم يمثِّل مصر في الترشيحات الأولية لأوسكار أفضل فلم أجنبي، ولعله يندرج في قائمة أفضل أفلام هذا العام عالميًا ويتنافس على الجائزة.

ولمن يعشقون لغة الأرقام، تقييمي للفلم 8 من أصل 10 🍿😂


اقتباس النشرة

فلم «Taste of Cherry»
فلم «Taste of Cherry»

أخبار سينمائية

  • أعلنت شبكة «Nippon Television Network» اليابانية استحواذها على أستوديو «جيبلي» الشهير بعد اتفاق بين الطرفين. يأتي الاستحواذ بعد تعبير المخرج الياباني هاياو ميازاكي عن مخاوفه على مصير الشركة مع بلوغه 82 عامًا. وعلى رغم أنَّ ابن ميازاكي مخرج في «جيبلي» فإن الابن عبَّر عن عدم حماسه لتولِّي خلافة أبيه في الشركة لكونها مسؤولية كبيرة للغاية. ووعدت الشبكة اليابانية بتقديم كامل الدعم الإداري في «جيبلي» حتى يتفرَّغ ميازاكي وكامل الفريق للتركيز في الجانب الإبداعي في صناعة الأفلام.

  • فجَّرت ليلي قلادستون بطلة فلم «Killers of the Flower Moon» أولى مفاجآت السباق في موسم جوائز الأوسكار. إذ كان متوقعًا أن تنطلق حملة ترويج ودعم لكي تنال قلادستون ترشيحًا في فئة «أفضل ممثلة مساعدة» حيث حظوظها بالترشيح والفوز كبيرة، لكنها قررت السعي نحو الحصول على ترشيح في فئة «أفضل ممثلة رئيسة»، حيث ستكون في منافسة شديدة مع أسماء قويَّة منهن إيما ستون عن فلم «Poor Things». إذا نالت ليلي قلادستون الترشيح ستكون أول امرأة من السكان الأصليين في أمريكا تدخل سباق جوائز الأوسكار.


توصيات سينمائية

أبرز الأفلام عن الهجرة

هل الهجرة تذكرة مجانيَّة للخلاص من جحيم الوطن وبدء حياة سعيدة على أرضٍ أخرى؟ ثيمة الهجرة إلى أوربا وأمريكا في السينما لا تمنح إجابة مباشرة عن هذا السؤال، بل تستكشف التحديات التي لا بد للمهاجر أن يواجهها في هذه الرحلة التي لا تعني فقط انتزاع جذوره من أرضه بيديه، بل محاولة غرسها في أرضٍ غريبة لعلَّها تغدو جنَّته. 

وبما أن «ڤوي ڤوي ڤوي» لا يرينا ما حصل لحسن ورفاقه بعد الرحيل على متن الطائرة، نستعرض لكم ثلاثة أفلام تلقي الضوء على الضفة الأخرى بعد العبور، وأنَّ ثمة أملًا في إيجاد وطنك على الأرض الواسعة.

Minari (2020)

تخيَّل أن تعيش الهجرة مرتين: مرة من بلدك إلى بلد آخر، وبعدها من المدينة إلى الريف. هذا ما حصل مع عائلة «جاكوب يي» الكورية الجنوبية التي هاجرت من بلدها إلى أمريكا واستقرت في كاليفورنيا سعيًا وراء الحلم الأمريكي، ليقرر الأب بعدها الهجرة إلى أركنساس الريفية، علَّه يلقى النجاح أخيرًا فيها. يشتري جاكوب قطعة أرض ويحاول زراعة محصول كوريّ في منطقة جبلية وعرة، لكن محاولته تواجه صعوبات أهمها إيجاد مورد ماء في البئر الجافة على أرضه. الفلم بطولة ستيفن يون وهان يي-ري وآلان كيم، ومتوافر في «أبل تي في» و«قوقل بلاي». 

Limbo (2020)

لو كنت تحمل غرضًا واحدًا فقط يربطك بوطنك فماذا تفعل به؟ في هذه الدراما الكوميدية البريطانية نرافق أربعة طالبي لجوء في مركز للاجئين على جزيرة نائية في أسكتلندا حيث ينتظر اللاجئون الموافقة على طلباتهم، وفي الوقت نفسه يتلقون دروسًا في «الاندماج الثقافي». أحد اللاجئين (عمر) موسيقيّ سوري متشبث بحمل العود معه أينما ذهب خوفًا عليه من الضياع، لكنه لا يعزف عليه لإصابة في يده. الفلم بطولة أمير المصري وفيكاش باي، ومتوافر في نتفلكس.

Entre les murs (2008)

في صف يجلس فيه تلامذة من عوائل مهاجرة مختلفة الأعراق في مدرسة ثانوية في أحد أحياء باريس الفقيرة، يجد المعلم الفرنسي نفسه كل يوم في مواجهة التعامل مع هذا الواقع، حيث قد تختلف الوجوه كل عام عليه، لكن القصص والتحديات التي يعيشها الطلبة وأهاليهم هي نفسها، ومسؤوليته تجاه معالحتها تتكرر كل عام، أحيانًا بنتائج جيدة وأحيانًا بنتائج مؤسفة. الفلم من بطولة وكتابة فرانسوا بيقادو وأقامي ماليمبو-إيمين، ومتوافر في «أمازون برايم».


يعرض الآن

  • في صالات السينما فلم الإثارة والخيال العلمي «The Creator» من بطولة جون ديفيد واشنطن وقيما تشان. تدور أحداث الفلم في المستقبل حيث تندلع حرب بين قوات الذكاء الاصطناعي والبشر. جوشوا، عميل القوات الخاصة السابق، يُكلَّف بمهمة مطاردة وقتل «ذا كرييتور» المهندس الذي طوَّر سلاحًا ينهي الحرب من خلال القضاء على البشرية.

  • في صالات السينما فلم «JEANNE DU BARRY» من بطولة جوني ديب ومايوين. تدور أحداثه حول حياة «جين بيكو» الابنة غير الشرعية لخياطة فقيرة في 1743، وكيف دخلت بلاط الملك لويس الخامس عشر وصعد نجمها فيه إلى أن أصبحت خليلته الأخيرة.

  • في نتفلكس سلسلة من أربعة أفلام قصيرة للمخرج ويس أندرسون، أولها فلم «The Wonderful Story of Henry Sugar». «هنري شوقر» رجل ثري أعزب في الحادية والأربعين، تتغير حياته حين تقع يده على كتاب سحريّ يمكّنه من النظر عبر الأشياء والتنبؤ بالمستقبل. السلسلة من بطولة بيندكت كامبرباتش ورالف فينس وبن كنقزلي. 

السينمامراجعات الأفلاممصر
النشرة السينمائيةالنشرة السينمائيةمقالات ومراجعات سينمائية أبسط من فلسفة النقّاد وأعمق من سوالف اليوتيوبرز. وتوصيات موزونة لا تخضع لتحيّز الخوارزميات، مع جديد المنصات والسينما، وأخبار الصناعة محلّيًا وعالميًا.. في نشرة تبدأ بها عطلتك كل خميس.